من الأمثال الشعبية في بلاد المشرق العربي – في فضل القهوة والتتن (أي التبغ):
ما دام قهوة وتتن كل الأمور تهون
والمثل قيل أن أصله من بيت شعر شعبي من الجزيرة (الفراتية)، ويضرب للمصائب تهون بالقهوة والتدخين.
من منظور إسلامي يذهب اليوم كثير من العلماء إلى كراهة التدخين أو حتى تحريمه، والعلة عندهم هي الأضرار الصحية التي أثبتها الطب الحديث بما لا يدع مجالا للشك.
لكن قد يستغرب الناس من أن القهوة – التي أصبحت منتشرة في كثير من بلاد المسلمين – كانت في يوم من الأيام مسألة خلافية عند العلماء، وقد كتب عدد منهم عن القهوة وحكمها الشرعي.
نسلط الضوء في هذه المقالة عن كتاب واحد في هذا الباب، والمسمى عمدة الصفوة في حل القهوة، من تصنيف عبد القادر بن محمد الجزيري الحنبلي، الذي عاش في مصر في القرن العاشر الهجري.
ومسألة القهوة سببت فتنا في مكة ومصر والحجاز وغيرها من بلاد المسلمين، حتى أنه روي أن بعض الامراء أمر بهدم المقاهي وتكسير أواني الشرب وإتلاف حبوب البن ومعاقبة من يشربونها، حسب ما ذكر الجزيري.
كما يذكر المنصف أن المتصوفة كانوا من أوائل من اعتاد شرب القهوة، حيث أنه كان يعينهم على السهر لأداء الصلاة. أما من حرمه، فأكثرهم قالوا أن كثيره يؤدي إلى السكر، وقال آخرون أنه مضر للبدن.
كما ذكر المصنف بعض الشعر الذي ورد في حق القهوة، نذكر منها:
يا قهوة تذهب هم الفتى – أنت لحاوي العلم نعم المراد
شراب أهل الله فيها الشفا – لطالب الحكمة بين العباد
نطبخها قشراً فتأتي لنا – في نكهة المسك ولون المداد
وهذا الكتاب للجزيري طبع جزء منه في وقت مبكر، وتحديدا سنة ١٨٠٦ م، بتحقيق المستشرق سلفستر دي ساسي (المتوفى ١٢٥٣ هـ / ١٨٣٨ م)، ضمن كتابه: الأنيس المفيد للطالب المستفيد.
والكتاب متوفر عبر خدمة كتب كوكل – ورسالة الجزيري تقع ما بين صفحة ١٧٧-٢٤٤.
وقد أتمت كوكل تصوير آلاف من الكتب التي اتنهت حقوق نشرها، من ضمنها الكثير من مطبوعات المستشرقين الأوائل.
طبع دي ساسي الكتاب طبعة ثانية سنة ١٨٢٦ م مع ترجمة إلى الفرنسية إضافة إلى تعليقات مطولة على المتن. وهذا الكتاب متوفر هو الآخر على كتب كوكل (النص العربي من صفحة ١٣٨-١٦٩).
وقد أعيد طبع نسخة دي ساسي في مطبعة بولاق سنة ١٢٩٦ هـ / ١٨٧٩ م.
كما لخص الكتاب إبراهيم اليازجي ونشرت في مجلته الضياء، القاهرة، ١٨٩٨-١٨٩٩ م، صفحة ٦٢١-٦٢٥، ٦٤٩-٦٥٤، ٧١٢-٧١٥.
ولم يظهر الكتاب في تحقيق جديد إلا سنة ١٤١٦ هـ / ١٩٩٦ م على يد عبد الله بن محمد علي الحبشي (منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي)، أي بعد نحو قرنين من نشرة دي ساسي الأولى.